« الشاعر والربابة».. قصة قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي

 قصة قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي
قصة قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي

الشاعر والربابة

كان يوم الأربعاء من كل أسبوع موعدا للقاء الأدباء في ندوتهم بنقابة الصحفيين، كنت حريصا على الانضمام لهذه النخبة طمعا في المزيد من المعرفة عن أشياء أحببتها، فعندما تعشق الكتابة الأدبية، فلا أجمل من مصاحبة محترفيها، يقرأون عليك من نتاجهم، وتعرض عليهم بعض محاولاتك.

في تلك الليلة كان نجم اللقاء وربان المنصة شاعرا نابغا متميزا، وقف شامخا وقد فتح نسخة من أحد دواوينه، وشرع في إلقاء إحدى قصائده، بهرني الإلقاء حتى كاد أن يأخذني من الكلمات نفسها، وقفت في مكاني ولم أبرحه، وما أن انتهى من شدوه، حتى سألته أن يمنحني نسخة من ذلك الديوان الذى قرأ منه، ابتسم فوق ابتسامته التي لا تغادر ملامحه السمحة، لم يجبني، بل استجاب لي، في هدوء حضر إلى حيث كنت لا أزال واقفا أمام مقعدي، ناولني نسخة من الديوان، كانت فرحتي بها فرحة طفل تحقق حلمه في امتلاك لعبة عشقها،

 

تصفحت الديوان في عجالة حتى وقعت عيناي على تلك القصيدة التي تغنى بإلقائها، ما أن انفردت بنفسي في غرفتي حتى قفزت إلى القصيدة، بدأت في إلقائها، توقفت بعد عدة أبيات، شعرت أنى قد انتقصت الكثير من روعتها بهذا الإلقاء الفقير، قفزت إلى ذهني صورة كثيرا ما تكررت في طفولتي، بائع الربابات، يعزف ألحانا رائعة على ربابة في يده، وعلى ظهره كيس من القماش ملئ بربابات مماثلة،

أجرى إلى أمي وأحصل منها على الخمسة مليمات، أطير إلى حيث يقف الرجل عازفا ألحانه المذهلة، أعطيه الملاليم الخمسة، يناولني ربابة من الكيس، تصيبني خيبة الأمل عندما أفشل في استخراج تلك الألحان الجميلة، أعود إليه، أصر أن يعطيني تلك التي يعزف عليها، يناولني ربابته مبتسما، يسحب أخرى من الكيس ويواصل العزف، اللحن الجميل لا ينقطع، أحاول بالربابة المسحورة، يتكرر الفشل، فقد ملكت الربابة وبقي السحر عند الرجل ..... والسحر لا يباع.